عندما ننظر للمجتمع المغربي، نشعر بالفخر والاعتزاز لوجود هذه الروابط الأسرية التي تشكل لبناته الأساسية. فالعائلة هي حالة وجود في هويتنا المغربية، تُشعرنا بالأمان والطمأنينة، وتُعطينا الأمل في حياة أفضل كلما احتجنا إلى الدّافع من أجل المثابرة والاستمرار. ونحن نتأمل في هذه اللبنة الأساس لمجتمعنا، لا يفوتنا أن نتذكر بأنّ أول علاقة تُكوّنها، وأوّل رابط ينشأ بداخلها، هو رابط الزواج. لذلك يُعدّ الزواج أهمّ ركن من أركان العائلة، وعليه تعتمد نشأتها واستدامتها. فهو ليس مجرد لقاء بين امرأة ورجل، أو ارتباط مادي محض بينهما، إنّه يسمو ليصبح التقاء روحين في جسد واحد: العائلة.
إنّ فهمنا لأهمية العائلة في وجودنا وتطورنا يحثّنا على الارتقاء بالعلاقة التي تجمع بين مكوناتها. هذا الجسد الواحد يستطيع أن يُحلّق ويصل إلى أعلى المراتب إذا وُجد له جناحان متماسكان، متعادلان في الوجود، متكاملان في الحركة. فالمساواة بين الرجل والمرأة إذا أعدنا النظر فيها من هذا الجانب، تصبح غاية تسمو على كل العوائق والتحديات. والمشاورة بين جميع مكونات العائلة، تغدو ضرورة مُلحَّة لأجل نموها وتطورها. فالعائلة، كوحدة، تتأسس حينما يشارك جميع أفرادها في اتّخاد القرارات، والعمل معاً على تحقيقها. يتفضّل حضرة عبدالبهاء، الإبن الأرشد لحضرة بهاءالله والمبين لآياته وتعاليمه:
"عندما يكون هناك اتحاد واتفاق في العائلة فستصبح الأمور سهلة وميسَّرة وسيصبح هناك رقي وتقدم، وستنتظم الأمور وتتسهل وتصبح الأسرة محظوظة ويُحفظ مقامها، وسيكون هناك فرح وسرور بشكل عام وتزداد العزَّة الأبدية يوماً بعد يوم".
تسعى رسالة حضرة بهاء اللّه لتحقيق الوحدة في هذا العالم، وأحد أركانه الأساسيّة وحدة العائلة واتّحادها. لذا علينا أن نؤمن بأنّ هدف أمر الله تقوية العائلة لا إضعافها. فهل نحن مدركون حقا أن العائلة، كوحدة، هي أساس المجتمع؟!
يتفضل حضرة عبد البهاء:
"...حياة العائلة يجب أن تكون مثل حياة ملائكة السماء يجب أن تكون هناك روحانية وسرور واتحاد واتفاق، وتوافق جسماني وعقلاني أيضاً ويكون البيت مُرتَّباً وتكون الأفكار مثل أشعة شمس الحقيقة ونجوم السماء البازغة، ويكونا مثل الطيرين اللذين يغنّيان على أفنان شجرة التوحيد ويكونا فرحين ومسرورين دوماً وسبباً لسعادة الآخرين ومثالا عالياً لهم وتكون المحبة بينهما حقيقية وصادقة ويربُّوا أطفالهما تربية جيدة حتى يكون هؤلاء الأطفال سبباً في فخرهم واشتهارهم".
فعلاً، كلنا ندرك أن أطفالنا في حاجة ماسة وضرورية للتربية. ولا شكّ في أنّ المدارس تعنى بالجانب الأكاديمي في تحصيل العلوم والمعرفة، إلاّ أنه لا يخفى علينا أهمية التربية الأخلاقية التي هي أوّلا مسؤولية الوالدين والعائلة. فالأبوان هما اللذان يسعيان لإبراز الفضائل الحميدة والسلوكيات الحسنة في أطفالهم. فالأطفال هم بمثابة منجم يحوي بداخله تلك الكمالات والقدرات، وبفضل التربية سوف يتمكّنون من تطويرها. يتفضل حضرة بهاء الله :
"انظر إلى الإنسان فهو بمثابة معدن يحوي أحجارا كريمة تخرج بالتربية جواهره إلى عرصة الشهود وينتفع بها العالم الإنساني".
ومما لا شك فيه أيضا، أنّ تحلي الوالدين بالقيم والمبادئ الأخلاقية له أثر إيجابي وحسن على أطفالهما. فهما المرآة التي تنعكس فيها معالم شخصيّاتهم المستقبلية. وإذا ما ترعرع الأطفال في بيوت يعمّها السّرور والاتّحاد، وتكون فيها الأفكار والأعمال موجّهة نحو الأمور الرّوحانيّة، فلن يكون لدينا أدنى شّك بأنّ الأطفال سيكتسبون الفضائل الإنسانية والصّفات الملكوتيّة.
علينا أن نسعى لتثقيف العائلة كونها وحدة إنسانيّة، وتعليم أفراد العائلة كافة الفضائل الإنسانيّة. كما ينبغي مراعاة سلامة الرّباط العائلي على الدّوام وعدم انتهاك أي حقّ من حقوق أفرادها. فحقوق الابن والأب والأم يجب ألاّ تُنتهك، وألاّ تكون مخالفة للمنطق والأصول. فكما تترتّب على الابن واجبات معيّنة تجاه والده، فكذلك تترتّب على الأب واجبات معيّنة تجاه ابنه. وللأمّ والأخت وسائر أفراد العائلة امتيازات وحقوق معيّنة يجب المحافظة عليها جميعها. وعلاوة على ذلك، علينا أن نَجهَد لدعم وتعزيز وحدة العائلة، واعتبار أيّ ضرر يلحق بأيّ فرد منها هو ضررٌ يلحق الجميع، وراحة كلّ منهم هو راحة للجميع، وشرف أحدهم هو شرف الجميع.
والعائلة، إذ تنمي إدراكها بالاحتياجات المصيرية لأطفالها وشبابها، وتتشاور حول آليات ولوجهم للمعرفة من أجل معيشة أسعد وأرقى ماديا وروحانيا، تتعلّم كيف تصبح تلك اللبنة الأساس في بناء المجتمع، وكيف لها أن ترتقي بتفكيرها وجهودها من النطاق الفردي المنعزل إلى عمل جماعي يضم الأصدقاء والأقارب والجيران، كيف يتجاوز الأمل المعقود على مستقبل أطفالها مصلحتها الذاتية ليصبح قوة محركة لنمو وتطور قدرات المجتمع بأسره.
"يد واحدة لا تصفق"، هي مقولة راسخة في تراثنا المجتمعي، توحي لنا وُجوب العمل معا.
Comments