top of page

التعايش بين أهل الأديان

تاريخ التحديث: ٢٣ مايو ٢٠١٨



من المواضيع التي تشغل بال المجتمع المغربي، كغيره من المجتمعات، مسألة التعايش، حيث برز جليا تباين الآراء بخصوص هذا الموضوع. والمجتمع المغربي بحكم موقعه في معبر الحضارات الشرقية والغربية وبحكم تنوع سكانه فإنه يتفاعل مع الآراء المتباينة ويحتفظ بخصوصيته التي تجعله أكثر تقبلا للآخر والتعايش معه. وقد دلت المواقف الرسمية التي اتخذها أثناء الأحداث التاريخية التي مر بها، سواء في فترة الحرب العالمية التي جنبت مكونات الشعب المغربي التأذي من شرور فيروس التعصب العرقي الفتاك الذي عزل الأعراق وصنفها أصنافا، بعضها أفضل من بعض، وحرم عليها أن تتعايش في ما بينها.


وما أن أَقْدَمَ التعصّب الديني في مرحلة من تاريخ المغرب الحديث على إدانة من اعتبرهم مخالفين عن دين غالبية المغاربة حتى وقف له رجال قضاء المغرب المنصفين بالمرصاد، وآثروا تقبل الآخر والتعايش معه في إطار سماحة الأديان والقانون وما تضمنته المواثيق الدولية من الحقوق المتعلقة بحرية المعتقد الديني. ولم يسبق في تاريخ العلاقات المسيحية بالإسلام رغم ما اكتنف هذه العلاقات من صراع وحروب في الماضي، أن زار  الحبر المسيحي الكاثوليكي الأعظم أرض العرب وخاطب شبابها المسلمين إلا في أرض المغرب. وما الوضع المستقر الذي يعرفه المجتمع المغربي في الظروف العالمية المضطربة حاليا إلا ثمرة من ثمار روح التعايش التي تسري معانيه في نفوس وعقول المغاربة.

غير أنه في هذا الوقت الذي تنذر فيه الأحداث بالمخاطر وتحاصر الأبرياء نيران الشقاء وتدق طبول الحرب في عدد من المجتمعات الإسلامية، ويرتفع صوت المتشبثين بتقاليد الماضي الذين يفرضون السيطرة والسيادة على الذين يعيشون في كنفهم، يكثر الجدال حول مشروعية التعايش بين أهل الأديان. في هذه الظروف المتوترة، ارتفع صوت أحد رجال الدين، يعبر بواسطة لوحة فنية زينتها يده بالآية المباركة الواردة في أكثر لوح من ألواح حضرة بهاءالله : "عاشروا مع الأديان بالرَّوْح و الرَّيحان"، مبادرةٌ شجاعة منه في وسطه، لتحسيس مجتمعه بأهمية التعايش بين جميع المواطنين الإيرانيين بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية. وبذلك عبّر عن شعوره بروح التغيير التي تسري في جميع شؤون الحياة الاجتماعية، بما فيها الشأن الديني الذي يستدعي التجديد في العلاقات التي ينبغي أن تسود بين المتدينين، وتضمن التعايش بينهم جميعا.

فالتعايش بين أهل الأديان أصبح ضرورة يفرضها الواقع المعاش ويحتمه ما يشاهد من انتقال البشر من أماكن إلى أخرى لأسباب متعددة، فيضطرون للاختلاط بالذين يختلفون عنهم دينا وثقافة في مجتمع يستوجب التعايش والتعاون بين أفراده المنحدرين من ثقافات متنوعة، من أجل استمرار الحياة السليمة. وبفعل هذا الاختلاط بين الشعوب المتباينة اقتصاديا وعلميا ودينيا، وانتشار الثقافات والديانات والمذاهب المتنافسة، استيقظت من سباتها الاختلافات الموروثة عن عهود الحروب الدينية والاستعمارية الماضية، وانفجرت الصراعات التي تعاني منها بعض المناطق في مختلف القارات وبدا التنافر ورفض الآخر المختلف دينيا، مما جعل الأمة التي يستشري فيها هذا النوع من السلوك تعاني من فقدان الأمن ومن الشتات والخراب والدمار.


آية الله معصومي طهراني

ولا يمكن التغلب على الاختلافات التي تولد هذه الصراعات بمجرد التسامح وتحمّل وجود المختلفين دينيا والتساهل معهم بشرط إلزامهم الصمت وعدم إظهار عقيدتهم وممارسة حياتهم الدينية في الخفاء، بل يتعداها الى شق الطريق نحو تعايش وتعاون وسلام دائم مقوماته حوار جاد بين أهل الأديان مع التفرغ للعمل جنبا الى جنب في تناغم وتعاون يساهم لا محالة في نضج البشرية ورقيها.


إنّ الأديان تتمتع بنفوذ كبير وتأثير عميق في العلاقات الاجتماعية، بما زرعه سلوك الرسل المتعاقبين وتعاليمهم المقدسة في أرواح أتباعهم من بذور المحبة والإيثار والتعايش أنبتت حضارات إنسانية في الشرق وفي الغرب، مازالت قوتها تلهم البصائر وتحرك الضمائر من بين أولئك المتنورين ذوي الرؤى الواضحة لمستقبل الإنسانية، وتدفع قادة الأديان إلى الحوار من أجل تحرير البشر من أصفاد التعصب الديني الأعمى، رغم ما يراه بعض رجال الدين من عدم جدوى الحوار مع المؤسسات الدينية وممثليها الذين يصرون على أن دينهم التقليدي ومذهبهم الموروث هو الحق الواجب الاتباع. ولا ريب أن الذين كرسوا حياتهم للعمل من أجل أن يتعايش المتدينون على اختلافهم واللادينيون في مجتمع يسوده التفاهم والتعاون، لن تثبط عزائمهم تحديات ثقافة الصراع وما أثاره التعصب العرقي والديني أو الوطني من حروب تضافرت على بناء الحواجز بين أبناء البشر وبث أفكار التفرقة ومشاعر الكراهية في شعوب العالم على مدى آلاف السنين.


إنّ البشرية تحث الخطى في الطريق المؤدية إلى ما تنبأت به الديانات ووعدت به من الاتحاد بين الشعوب والأديان والعيش في عالم يسوده السلام، ولعل الأحداث المؤسفة التي تعيشها تجعلها تنتبه بوضوح أكثر إلى التغيير الحادث في الكون والقوة الدافعة التي أطلقها ظهور حضرة بهاء الله المنادي: 

"يا أبناء الإنسان، إنّ دين الله ومذهبه لأجل حفظ العالم واتّحاده واتّفاقه ومحبّته وألفته لا تجعلوه سببا للنّفاق والاختلاف وعلّة للضّغينة والبغضاء. هذا هو الصّراط المستقيم والأسّ المحكم المتين".

وتوجـه إلى ذوي البصيرة والنوايا الحسنة يناشدهم :

"يجب على أهل الصّفاء والوفاء أن يعاشروا جميع أهل العالم بالرّوح والرّيحان، لأن المعاشرة لم تزل ولا تزال سبب الاتحاد والاتفاق وهما سببا نظام العالم وحياة الأمم".

٢٥٦ مشاهدة٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل
bottom of page